الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ الْمُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ مَرْضَاةَ أَزْوَاجِهِ، لِمَ تُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِكَ الْحَلَّالَ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكَ، تَلْتَمِسُ بِتَحْرِيمِكَ ذَلِكَ مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْحَلَالِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحَلَّهُ لِرَسُولِهِ، فَحَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ أَزْوَاجِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ مَارِيَةَ مَمْلُوكَتَهُ الْقِبْطِيَّةَ، حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِيَمِينٍ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا طَلَبًا بِذَلِكَ رِضَا حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ غَارَتْ بِأَنْ خَلَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِهَا وَفِي حُجْرَتِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: «ثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَأُمَّ إِبْرَاهِيمَفِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ؛ قَالَ: فَقَالَتْ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، فِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي، فَجَعَلَهَا عَلَيْهِ حَرَامًا؛ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تُحَرِّمُ عَلَيْكَ الْحَلَالَ؟، فَحَلَفَ لَهَا بِاللَّهِ أَلَّا يُصِيبَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ}» قَالَ زَيْدٌ: فَقَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَغْوٌ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «قَالَ مَسْرُوقٌ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ جَارِيَتَهُ، وَآلَى مِنْهَا، فَجَعَلَ الْحَلَالَ حَرَامًا، وَقَالَ فِي الْيَمِينِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}». حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، «عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَرَّمَ، فَعُوتِبَ فِي التَّحْرِيمِ، وَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ». حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَوَاللَّهِ لَا أَطَؤُكِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} قَالَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ: حَرَّمَهَا عَلَيْهِ، وَحَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا، فَعُوتِبَ فِي التَّحْرِيمِ، وَجَاءَتِ الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ جَارِيَتَهُ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: حَلَفَ بِيَمِينٍ مَعَ التَّحْرِيمِ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ فِي التَّحْرِيمِ، وَجَعَلَ لَهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: «قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قَالَ: إِنَّهُ وَجَدَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَارِيَتِهِ فِي بَيْتِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّى كَانَ هَذَا الْأَمْرُ، وَكُنْتُ أَهُوَنُهُنَّ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْكُتِي، لَا تَذْكُرِي هَذَا لِأَحَدٍ، هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرُبْتُهَا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا"، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُحَرِّمُ عَلَيْكَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ حِينَ تَقُولُ: هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ أَبَدًا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا آتِيهَا أَبَدًا، فَقَالَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}... الْآيَةُ، قَدْ غَفَرْتُ هَذَا لَكَ، وَقَوْلَكَ: وَاللَّهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}». حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: «ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَاةٌ، فَغَشِيَهَا، فَبَصُرَتْ بِهِ حَفْصَةُ، وَكَانَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَائِشَة، وَكَانَتَا مُتَظَاهِرَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اكْتُمِي عَلَيَّ وَلَا تَذْكُرِيلِ عَائِشَة ما رَأَيْتِ"، فَذَكَرَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَة، فَغَضِبَتْ عَائِشَة، فَلَمْ تَزَلْ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ، وَيَأْتِيَ جَارِيَتَه». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، «عَنْ عَامِرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} فِي جَارِيَةٍ أَتَاهَا، فَاطَّلَعَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَقَالَ: هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَاكْتُمِي ذَلِكَ، وَلَا تُخْبِرِي بِهِ أَحَدًا، فَذَكَرَتْ ذَلِك». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَهُ إِيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ، فَأَوْجَبَ فِيهَا مِنَ الْكَفَّارَةِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَ فِي الْيَمِينِ إِذَا حَنِثَ فِيهَا صَاحِبُهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ إِذَا حَرَّمُوا شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يُكَفِّرُوا أَيْمَانَهُمْ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ، أَوْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، وَلَيْسَ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي طَلَاقٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}... إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} قَالَ: كَانَتْ حَفْصَةُ وَ عَائِشَة متَحَابَّتَيْنِ، وَكَانَتَا زَوْجَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبَتْ حَفْصَةُ إِلَى أَبِيهَا، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَارِيَتِهِ، فَظَلَّتْ مَعَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، وَكَانَ الْيَوْمُ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ عَائِشَة، فَرَجَعَتْ حَفْصَةُ، فَوَجَدَتْهُمَا فِي بَيْتِهَا، فَجَعَلَتْ تَنْتَظِرُ خُرُوجَهَا، وَغَارَتْ غَيْرَةً شَدِيدَةً، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَهُ، وَدَخَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَتْ: قَدْ رَأَيْتُ مَنْ كَانَ عِنْدَكَ، وَاللَّهِ لَقَدْ سُؤْتَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاللَّهِ لِأُرْضِيَنَّكِ، فَإِنِّي مُسِرٌّ إِلَيْكِ سِرًّا فَاحْفَظِيهِ"؛ قَالَتْ: مَا هُوَ؟ قَالَ: "إِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّ سُرِّيَّتِي هَذِهِ عَلَىَّ حَرَامٌ رِضًا لَكِ"، كَانَتْ حَفْصَةُ وَ عَائِشَة تظَاهَرَانِ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَتْ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَة، فَأَسَرَّتْ إِليْهَا أَنْ أَبْشِرِي، إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ فَتَاتَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرَتْ بِسِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظْهَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ لَمَّا تَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ}... إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا هَشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: فِي الْحَرَامِ يَمِينٌ تُكَفِّرُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ جَارِيَتَهُ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}... إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فَكَفَّرَ يَمِينَهُ، فَصَيَّرَ الْحَرَامَ يَمِينًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَ حَفْصَةَ، فَإِذَا هِيَ لَيْسَتْ ثَمَّ، فَجَاءَتْهُ فَتَاتُهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهَا سِتْرًا، فَجَاءَتْ حَفْصَةُ فَقَعَدَتْ عَلَى الْبَابِ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ سُؤْتَنِي، جَامَعْتَهَا فِي بَيْتِي، أَوْ كَمَا قَالَتْ؛ قَالَ: وَحَرَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، » أَوْ كَمَا قَالَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، «عَنْ قَتَادَةَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}... الْآيَةُ، قَالَ: كَانَ حَرَّمَ فَتَاتَهُ الْقِبْطِيَّةَ أُمَّ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ يُقَالُ لَهَامَارِيَةُفِي يَوْمِ حَفْصَةَ، وَأَسَرَّ ذَلِكَ إِلَيْهَا، فَأَطْلَعَتْ عَلَيْهِ عَائِشَة، وَكَانَتَا تَظَاهَرَانِ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ، فَأُمِرَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}» قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: حَرَّمَهَا عَلَيْهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ، «عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَهَا، يَعْنِي جَارِيَتَهُ، فَكَانَتْ يَمِينًا». حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟ قَالَ: عَائِشَة، وَحَفْصَةُ. وَكَانَ بَدْءُ الْحَدِيثِ فِي شَأْنِأُمِّ إِبْرَاهِيمَ الْقِبْطِيَّةِ، أَصَابَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فِي يَوْمِهَا، فَوَجَدَتْهُ حَفْصَةُ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَقَدْ جِئْتَ إِلَيَّ شَيْئًا مَا جِئْتَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِكَ بِمِثْلِهِ، فِي يَوْمِي وَفِي دَوْرِي، وَعَلَى فَرَاشِي، قَالَ: "أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلَا أَقْرَبَهَا؟ " قَالَتْ: بَلَى، فَحَرَّمَهَا، وَقَالَ: لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ"، فَذَكَرَتْهُلِ عَائِشَة، فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ}... الْآيَاتُ كُلُّهَا، فَبَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّرَ يَمِينَهُ، وَأَصَابَ جَارِيَتَهُ". وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ شَرَابًا يَشْرَبُهُ، كَانَ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَرَابٍ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو قَطَنٍ الْبَغْدَادِيُّ عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا أَبُو قَطَنٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي شَرَابٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: كَانَ الَّذِي حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَحَلَّهُ لَهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ جَارِيَتَهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ شَرَابًا مِنَ الْأَشْرِبَةِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ كَانَ لَهُ حَلَالًا، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَا كَانَ لَهُ قَدْ أَحَلَّهُ، وَبَيَّنَ لَهُ تَحِلَّةَ يَمِينِهِ، فِي يَمِينٍ كَانَ حَلَفَ بِهَا مَعَ تَحْرِيمِهِ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَلَفَ مَعَ تَحْرِيمِهِ مَا حَرَّمَ، فَقَدْ عَلِمْتَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ التَّحْرِيمِ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ هُوَ الْيَمِينُ؟ قِيلَ: الْبُرْهَانُ عَلَى ذَلِكَ وَاضِحٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي لُغَةٍ عَرَبِيَّةٍ وَلَا عَجَمِيَّةٍ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِجَارِيَتِهِ، أَوْ لِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ: هَذَا عَلَيَّ حَرَامٌ، يَمِينٌ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَعْقُولٍ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْيَمِينَ غَيْرُ قَوْلِ الْقَائِلِ لِلشَّيْءِ الْحَلَالِ لَهُ: هُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ مَا قُلْنَا، وَفَسَدَ مَا خَالَفَهُ. وَبَعْدُ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْحَلَالِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَحَلَّهُ لَهُ بِيَمِينٍ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ} مَعَنَا: لِمَ تَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ أَنْ لَا تَقْرَبَهُ، فَتُحَرِّمَهُ عَلَى نَفْسِكَ بِالْيَمِينِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ ذَلِكَ، وَحَلَفَ مَعَ تَحْرِيمِهِ، كَمَا حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ قَزْعَةَ، قَالَ: ثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَرَّمَ، فَأُمِرَ فِي الْإِيلَاءِ بِكَفَّارَةٍ، وَقِيلَ لَهُ فِي التَّحْرِيمِ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ غَفُورٌ يَا مُحَمَّدُ لِذُنُوبِ التَّائِبِينَ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ غَفَرَ لَكَ تَحْرِيمَكَ عَلَى نَفْسِكَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكَ، رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى مَا قَدْ تَابُوا مِنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ بَعْدَ التَّوْبَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ، وَحَدَّهَا لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ {وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ} يَتَوَلَّاكُمْ بِنَصْرِهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بِمَصَالِحِكُمْ (الْحَكِيمُ) فِي تَدْبِيرِهِ إِيَّاكُمْ، وَصَرْفِكُمْ فِيمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ}، وَهُوَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: حَفْصَةُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ قَبْلُ. وَقَوْلُهُ: (حَدِيثًا) وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَسَرَّ إِلَيْهَا فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ هُوَ قَوْلُهُ لِمَنْ أَسَرَّ إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ أَزْوَاجِهِ تَحْرِيمُ فَتَاتِهِ، أَوْ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَحَلَّهُ لَهُ، وَحَلِفُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: "لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ". وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَخْبَرَتْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي أَسَرَّ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَتَهَا {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ} يَقُولُ: وَأَظْهَرُ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهَا قَدْ أَنْبَأَتْ بِذَلِكَ صَاحِبَتَهَا. وَقَوْلُهُ: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ الْكِسَائِيِّ (عَرَّفَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، بِمَعْنَى: عَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ بَعْضَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَأَخْبَرَهَا بِهِ، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَذْكُرُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَقَتَادَةَ، أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ (عَرَفَ) بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ، بِمَعْنَى: عَرَفَ لِحَفْصَةَ بَعْضَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَتْهُ مِنْ إِفْشَائِهَا سِرَّهُ، وَقَدِ اسْتَكْتَمَهَا إِيَّاهُ: أَيْ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَازَاهَا عَلَيْهِ؛ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ: لَأَعْرِفَنَّ لَكَ يَا فُلَانُ مَا فَعَلْتَ، بِمَعْنَى: لَأُجَازِيَنَّكَ عَلَيْهِ؛ قَالُوا: وَجَازَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهَا بِأَنْ طَلَّقَهَا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ (عَرَّفَ بَعْضَهُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، بِمَعْنَى: عَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ، يَعْنِي مَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهَا صَاحِبَتَهَا؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} يَقُولُ: وَتَرَكَ أَنْ يُخْبِرَهَا بِبَعْضٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} قَوْلُهُ لَهَا: لَا تَذْكُرِيهِ {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} وَكَانَ كَرِيمًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: (فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ) يَقُولُ: فَلَمَّا خَبَّرَ حَفْصَةَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ إِفْشَائِهَا سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَائِشَة {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} يَقُولُ: قَالَتْ حَفْصَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا الْخَبَرَ وَأَخْبَرَكَ بِهِ {قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُحَمَّدٌ نَبِيُّ اللَّهِ لِحَفْصَةَ: خَبِّرْنِي بِهِ الْعَلِيمُ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ، وَضَمَائِرِ قُلُوبِهِمْ، الْخَبِيرُ بِأُمُورِهِمْ، الَّذِي لَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْءٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} وَلَمْ تَشُكَّ أَنَّ صَاحِبَتَهَا أَخْبَرَتْ عَنْهَا {قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَوَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ أَيَّتُهَا الْمَرْأَتَانِ فَقَدْ مَالَتْ قُلُوبُكُمَا إِلَى مَحَبَّةِ مَا كَرِهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اجْتِنَابِهِ جَارِيَتَهُ، وَتَحْرِيمِهَا عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ تَحْرِيمِ مَا كَانَ لَهُ حَلَالًا مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ حَفْصَةَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} يَقُولُ: زَاغَتْ قُلُوبُكُمَا، يَقُولُ: قَدْ أَثِمَتْ قُلُوبُكُمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ زَبِيدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّ قَوْلَهُ: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} شَيْءٌ هَيِّنٌ، حَتَّى سَمِعْتُ قِرَاءَةَ ابْنَ مَسْعُودٍ (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُمُا). حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}: أَيْ مَالَتْ قُلُوبُكُمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} مَالَتْ قُلُوبُكُمَا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} يَقُولُ: زَاغَتْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قَالَ: زَاغَتْ قُلُوبُكُمَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قَالَ: سَرَّهُمَا أَنْ يَجْتَنِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَهُ، وَذَلِكَ لَهُمَا مُوَافِقٌ {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} إِلَى أَنَّ سَرَّهُمَا مَا كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّتِي أَسَرَّ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ، وَالَّتِي أَفْشَتْ إِليْهَا حَدِيثَهُ، وَهُمَا عَائِشَة وَحَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قَالَ: فَحَجَّ عُمَرُ، وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ عُمَرُ، وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ، ثُمَّ أَتَانِي فَسَكَبْتُ عَلَى يَدِهِ وَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قَالَ عُمَرُ: وَا عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ الزَّهْرِيُّ: وَكَرِهَ وَاللَّهِ مَا سَأَلَهُ وَلَمْ يَكْتُمْ، قَالَ: هِيَ حَفْصَةُ وَ عَائِشَة؛ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَشْهَبَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضِرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: عَائِشَة وَحَفْصَةُ. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ، فَمَا أَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا أَسْأَلُهُ فِيهِ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا، وَصَحِبْتُهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِمُرِّ الظَّهْرَانِ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، وَقَالَ: أَدْرِكْنِي بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ؛ فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَرَجَعَ، أَتَيْتُهُ بِالْإِدَاوَةِ أَصُبُّهَا عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُ مَوْضِعًا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ الْمُتَظَاهِرَتَانِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَمَا قَضَيْتُ كَلَامِي حَتَّى قَالَ: عَائِشَة وَحَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سِمَاكٌ أَبُو زُمَيْلٍ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: «لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا أَرَى فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَقَّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ، فَلَئِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ، وَجِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ مَعَكَ، وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ وَأَحْمَدُ اللَّهَ بِكَلَامٍ، إِلَّا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُصَدِّقٌ قَوْلِي، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، آيَةُ التَّخْيِيرِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}، {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}... الْآيَةُ، وَكَانَتْ عَائِشَة ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَتَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم». حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} يَقُولُ: عَلَى مَعْصِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَاهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمْرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَمْرٍ وَإِنِّي لَأَهَابُكَ، قَالَ: لَا تَهَبْنِي، فَقَالَ: مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: عَائِشَة وَحَفْصَةُ. وَقَوْلُهُ: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ وَلِيُّهُ وَنَاصِرُهُ، وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَخِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا مَوْلَاهُ وَنَاصِرُهُ. وَقِيلَ: عُنِيَ بِصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضِّحَاكِ، فِي قَوْلِهِ: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْرَائِيلَ، قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ- مِنْ قَرْيَةٍ بِمَرْوَ يُقَالُ لَهَا سِينَانُ- عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ: خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ: الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمِيعُ، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} فَالْإِنْسَانُ وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمِيعُ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا تقْريَنَّ إِلَّا قَارِئَ الْقُرْآنِ، يُقَالُ: قَارِئُ الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدًا، فَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لِكُلٍّ قَارِئٍ الْقُرْآنِ أَنْ يَقْرَبَهُ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً. وَقَوْلُهُ: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} يَقُولُ: وَالْمَلَائِكَةُ مَعَ جِبْرِيلَ وَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْوَانٌ عَلَى مَنْ أَذَاهُ، وَأَرَادَ مَسَاءَتَهُ. وَالظَّهِيرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي مَعْنَى جَمْعٍ. وَلَوْ أُخْرِجَ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ لَقِيلَ: وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُهَرَاءُ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: وَبَدَأَ بِصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ هَا هُنَا قَبْلَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍسَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَسَى رَبُّ مُحَمَّدٍ إِنْ طَلَّقَكُنَّ يَا مَعْشَرَ أَزْوَاجِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَدِّلَهُ مِنْكُنَّ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرًا مِنَ اللَّهِ نِسَاءَهُ لَمَّا اجْتَمَعْنَ عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ فِي الْغَيْرَةِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَهُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، قَالَ: فَنَزَلَ كَذَلِكَ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِنَا، أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِدَّةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَاهُنَّ إِيَّاهُ، فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ امْرَأَةً امْرَأَةً، أَعِظُهَا وَأَنْهَاهَا عَنْ أَذَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقُولُ: إِنْ أَبَيْتُنَّ أَبْدَلَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَيْتُ، حَسِبَتْ أَنَّهُ قَالَ عَلَىزَيْنَبَ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟ فَأَمْسَكْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: بَلَغَنِي عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْءٌ، فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ أَقُولُ: لَتَكْفُفْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لِيُبَدِّلْنَهُ اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟ فَكَفَفْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ}... الْآيَةُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (أَنْ يُبْدِلَهُ) فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ: "يُبَدِّلُهُ أَزْوَاجًا" مِنَ التَّبْدِيلِ. وَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (يُبْدِلَهُ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِّ مِنَ الْإِبْدَالِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَوْلُهُ: (مُسْلِمَاتٍ) يَقُولُ: خَاضِعَاتٌ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ (مُؤْمِنَاتٍ) يَعْنِي مُصَدِّقَاتٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَقَوْلُهُ: (قَانِتَاتٍ) يَقُولُ: مُطِيعَاتٌ لِلَّهِ. كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ (قَانِتَاتٍ) قَالَ: مُطِيعَاتٌ. حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (قَانِتَاتٍ) قَالَ: مُطِيعَاتٌ. وَقَوْلُهُ: (تَائِبَاتٍ) يَقُولُ: رَاجِعَاتٌ إِلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْهُنَّ مِنْ طَاعَتِهِ عَمَّا يَكْرَهُهُ مِنْهُنَّ (عَابِدَاتٍ) يَقُولُ: مُتَذَلِّلَاتٌ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (سَائِحَاتٍ) يَقُولُ: صَائِمَاتٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (سَائِحَاتٍ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: صَائِمَاتٌ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (سَائِحَاتٍ) قَالَ: صَائِمَاتٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: (سَائِحَاتٍ) قَالَ: صَائِمَاتٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: السَّائِحَاتُ الصَّائِمَاتُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (سَائِحَاتٍ) يَعْنِي: صَائِمَاتٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: السَّائِحَاتُ: الْمُهَاجِرَاتُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: السَّائِحَاتُ: الْمُهَاجِرَاتُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: (سَائِحَاتٍ) قَالَ: مُهَاجِرَاتٌ، لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ سِيَاحَةٌ إِلَّا الْهِجْرَةُ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ (السَّائِحُونَ).
وَقَدْ بَيَّنَا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى السَّائِحِينَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ، مَعَ ذِكْرِنَا أَقْوَالَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: نَرَى أَنَّ الصَّائِمَ إِنَّمَا سُمِّيَ سَائِحًا، لِأَنَّ السَّائِحَ لَا زَادَ مَعَهُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ حَيْثُ يَجِدُ الطَّعَامَ، فَكَأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (ثَيِّبَاتٍ) وَهُنَّ اللَّوَاتِي قَدِ افْتَرَعْنَ وَذَهَبَتْ عُذْرَتُهُنَّ (وَأَبْكَارًا) وَهُنَّ اللَّوَاتِي لَمْ يُجَامَعْنَ، وَلَمْ يَفْتَرِعْنَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ (قُوا أَنْفُسَكُمْ) يَقُولُ: عَلِّمُوا بَعْضَكُمْ بَعْضًا مَا تَقُونَ بِهِ مَنْ تُعَلِّمُونَهُ النَّارَ، وَتَدْفَعُونَهَا عَنْهُ إِذَا عَمِلَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: (وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) يَقُولُ: وَعَلِّمُوا أَهْلِيكُمْ مِنَ الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ مَا يَقُونَ بِهِ. أَنْفُسَهُمْ مِنَ النَّارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضَى اللَّهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قَالَ: عَلِّمُوهُمْ، وَأَدِّبُوهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يَقُولُ: أَدِّبُوهُمْ، عَلِّمُوهُمْ حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ بِمَثَلِهِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يَقُولُ: اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتَّقُوا مَعَاصِي اللَّهِ، وَمُرُوا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ يُنْجِيكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَوْصُوا أَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قَالَ: قَالَ يَقِيهِمْ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّهِ، يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَيُسَاعِدُهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً رَدَعْتَهُمْ عَنْهَا، وَزَجَرْتَهُمْ عَنْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قَالَ: مُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَانْهَوْهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَقُودُهَا النَّاسُ) يَقُولُ: حَطَبُهَا الَّذِي يُوقَدُ عَلَى هَذِهِ النَّارِ بَنُو آدَمَ وَحِجَارَةُ الْكِبْرِيتِ. وَقَوْلُهُ: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} يَقُولُ: عَلَى هَذِهِ النَّارِ مَلَائِكَةٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، غِلَاظٌ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، شِدَادٌ عَلَيْهِمْ {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} يَقُولُ: لَا يُخَالِفُونَ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ بِهِ {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} يَقُولُ: وَيَنْتَهُونَ إِلَى مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلَّذِينِ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّتَهُ فِي الدُّنْيَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا} اللَّهَ {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يَقُولُ: يُقَالُ لَهُمْ: إِنَّمَا تُثَابُونَ الْيَوْمَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُعْطَوْنَ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ، فَلَا تَطْلُبُوا الْمَعَاذِيرَ مِنْهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْوَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} يَقُولُ: ارْجِعُوا مِنْ ذُنُوبِكُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِلَى مَا يُرْضِيهِ عَنْكُمْ {تَوْبَةً نَصُوحًا} يَقُولُ: رُجُوعًا لَا تَعُودُونَ فِيهَا أَبَدًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: (نَصُوحًا) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، قَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُتَعْرِيفُهَا وَشُرُوطُهَا: أَنْ يَتُوبَ الرَّجُلُ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُمْرَ، قَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: أَنْ تَتُوبَ مِنَ الذَّنْبِ ثُمَّ لَا تُعُودَ فِيهِ، أَوْ لَا تُرِيدُ أَنْ تَعُودَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} قَالَ: يُذْنِبُ الذَّنْبَ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ فِيهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ عَنْ قَوْلِهِ: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} قَالَ: هُوَ الْعَبْدُ يَتُوبُ مِنَ الذَّنْبِ ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ أَبَدًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ، أَنْ يَتُوبَ مِنَ الذَّنْبِ فَلَا يَعُودُ. حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْ عُمَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَقَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: الَّذِي يُذْنِبُ ثُمَّ لَا يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {تَوْبَةً نَصُوحًا} قَالَ: يَتُوبُ ثُمَّ لَا يَعُودُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} أَنْ لَا يَعُودُ صَاحِبُهَا لِذَلِكَ الذَّنْبِ الَّذِي يَتُوبُ مِنْهُ، وَيُقَالُ: تَوْبَتُهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى ذَنْبٍ تَرَكَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنِي الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {تَوْبَةً نَصُوحًا} قَالَ: يَسْتَغْفِرُونَ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضِّحَاكِ، فِي قَوْلِهِ: {تَوْبَةً نَصُوحًا} قَالَ: النَّصُوحُ. أَنَّ تَحَوَّلَ عَنِ الذَّنْبِ ثُمَّ لَا تَعُودُ لَهُ أَبَدًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} قَالَ: هِيَ الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ. {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} قَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ الصَّادِقَةُ، يَعْلَمُ أَنَّهَا صِدْقُ نَدَامَةٍ عَلَى خَطِيئَتِهِ، وَحُبُّ الرُّجُوعِ إِلَى طَاعَتِهِ، فَهَذَا النَّصُوحُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ خَلَا عَاصِمٍ (نَصُوحًا) بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ التَّوْبَةِ وَصِفَتِهَا، وَذُكِرَ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ (نُصْوحًا) بِضَمِّ النُّونِ، بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَصَحَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ نُصُوحًا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الصِّفَةِ لِلتَّوْبَةِ؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} يَقُولُ: عَسَى رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يَمْحُوَ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ {وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} يَقُولُ: وَأَنْ يُدْخِلَكُمْ بَسَاتِينَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يَقُولُ: يَسْعَى نُورُهُمْ أَمَامَهُمْ (وَبِأَيْمَانِهِمْ) يَقُولُ: وَبِأَيْمَانِهِمْ كِتَابُهُمْ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}... إِلَى قَوْلِهِ: (وَبِأَيْمَانِهِمْ) يَأْخُذُونَ كِتَابَهُمْ فِيهِ الْبُشْرَى {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا، يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يُبْقِيَ لَهُمْ نُورَهُمْ، فَلَا يُطْفِئُهُ حَتَّى يُجُوزُوا الصِّرَاطَ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينِ آمَنُوا {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} قَالَ: قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا يُعْطَى نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُعْطَى الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ، فَيُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِ، فَيَخْشَى الْمُؤْمِنُ أَنْ يُطْفَأَ نُورُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ، قَالَ: كَانَ يُذَكِّرُنَا وَيَبْكِي، وَيُصَدِّقُ قَوْلَهُ فِعْلُهُ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مَكْتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَسْمَائِكُمْ وَسِيمَاكُمْ، وَمَجَالِسِكُمْ وَنَجْوَاكُمْ وَخَلَاتِكُمْ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ: يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ، هَاكَ نُورَكَ، وَيَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ، لَا نُورَ لَكَ. وَقَوْلُهُ: (وَاغْفِرْ لَنَا) يَقُولُ: وَاسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا، وَلَا تَفْضَحْنَا بِهَا بِعُقُوبَتِكَ إِيَّانَا عَلَيْهَا {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى إِتْمَامِ نُورِنَا لَنَا، وَغُفْرَانِ ذُنُوبِنَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ ذُو قُدْرَةٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ} بِالسَّيْفِ (وَالْمُنَافِقِينَ) بِالْوَعِيدِ وَاللِّسَانِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يُجَاهِدَ الْكَفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَيُغْلِظَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِالْحُدُودِ {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} يَقُولُ: وَاشْدُدْ عَلَيْهِمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} يَقُولُ: وَمُكْثُهُمْ جَهَنَّمُ، وَمَصِيرُهُمُ الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ نَارُ جَهَنَّمَ {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} قَالَ: وَبِئْسَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ جَهَنَّمُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَثَّلَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينِ كَفَرُوا مِنَ النَّاسِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ، كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا، وَهُمَا نُوحٌ وَلُوطٌ فَخَانَتَاهُمَا. ذُكِرَ أَنَّخِيَانَةَامْرَأَةِ نُوحٍ الْمَقْصُودُ بِهَا زَوْجَهَا أَنَّهَا كَانَتْ كَافِرَةً، وَكَانَتْ تَقُولُ لِلنَّاسِ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ. وَأَنَّ خِيَانَةَامْرَأَةِ لُوطٍ، أَنَّ لُوطًا كَانَ يُسِرُّ الضَّيْفَ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَة َ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (فَخَانَتَاهُمَا) قَالَ: كَانَتِامْرَأَةُ نُوحٍتَقُولُ لِلنَّاسِ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ. وَكَانَتِامْرَأَةُ لُوطٍتَدُلُّ عَلَى الضَّيْفِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَة عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَمَّاامْرَأَةُ نُوحٍ، فَكَانَتْ تُخْبِرُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ؛ وَأَمَّاخِيَانَةُامْرَأَةِ لُوطٍ، الْمَقْصُودُ بِهَا فَكَانَتْ تَدُلُّ عَلَى لُوطٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} قَالَ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ (فَخَانَتَاهُمَا) قَالَ: فِي الدِّينِ خَانَتَاهُمَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: كَانَتْ خِيَانَتُهُمَا أَنَّهُمَا كَانَتَا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمَا، فَكَانَتِامْرَأَةُ نُوحٍتَطَلُّعُ عَلَى سِرِّ نُوحٍ، فَإِذَا آمَنَ مَعَ نُوحٍ أَحَدٌ أَخْبَرَتِ الْجَبَابِرَةُ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ بِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا؛ وَأَمَّاامْرَأَةُ لُوطٍفَكَانَتْ إِذَا ضَافَ لُوطٌ أَحَدًا خَبَّرَتْ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ يَعْمَلُ السُّوءَ {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (فَخَانَتَاهُمَا) قَالَ: فِي الدِّينِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: وَكَانَتْ خِيَانَتُهُمَا أَنَّهُمَا كَانَتَا مُشْرِكَتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ (فَخَانَتَاهُمَا) قَالَ: كَانَتَا مُخَالِفَتَيْنِ دِينَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَافِرَتَيْنِ بِاللَّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: مَا كَانَتْ خِيَانَةُ امْرَأَةِ لُوطٍ وَامْرَأَةِ نُوحٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا امْرَأَةُ لُوطٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْأَضْيَافِ؛ وَأَمَّا امْرَأَةُ نُوحٍ فَلَا عِلْمَ لِي بِهَا. وَقَوْلُهُ: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} يَقُولُ: فَلَمْ يُغْنِ نُوحٌ وَلُوطٌ عَنِ امْرَأَتَيْهِمَا مِنَ اللَّهِ لَمَّا عَاقَبَهُمَا عَلَى خِيَانَتِهِمَا أَزْوَاجَهُمَا شَيْئًا، وَلَمْ يَنْفَعْهُمَا أَنْ كَانَتْ أَزْوَاجُهُمَا أَنْبِيَاءً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ}... الْآيَةُ، هَاتَانِ زَوْجَتَا نَبِيِّ اللَّهِ، لَمَّا عَصَتَا رَبَّهُمَا، لَمْ يُغْنِ أَزْوَاجُهُمَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ}.... الْآيَةُ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: لَمْ يُغْنِ صَلَاحُ هَذَيْنِ عَنْ هَاتَيْنِ شَيْئًا، وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لَمْ يَضُرَّهَا كُفْرُ فِرْعَوْنَ. وَقَوْلُهُ: {وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} قَالَ اللَّهُ لَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ادْخُلَا أَيَّتُهَا الْمَرْأَتَانِ نَارَ جَهَنَّمَ مَعَ الدَّاخِلِينَ فِيهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينِ صَدَّقُوا اللَّهَ وَوَحَّدُوهُ، امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ الَّتِي آمَنَتْ بِاللَّهِ وَوَحَّدَتْهُ، وَصَدَّقَتْ رَسُولَهُ مُوسَى، وَهِيَ تَحْتَ عَدُوٍّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ كَافِرٍ، فَلَمْ يَضُرَّهَا كُفْرُ زَوْجِهَا، إِذْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً بِاللَّهِ، وَكَانَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ أَنْ لَا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، إِذْ قَالَتْ: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهَا فَبَنَى لَهَا بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. كَمَا حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَفْصٍ الْأُبُلِّيُّ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تُعَذَّبُ بِالشَّمْسِ، فَإِذَا انْصَرَفَ عَنْهَا أَظَلَّتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وَكَانَتْ تَرَى بَيْتَهَا فِي الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: كَانَتِامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: كَانَتِامْرَأَةُ فِرْعَوْنَتَسْأَلُ: مَنْ غَلَبَ؟ فَيُقَالُ: غَلَبَ مُوسَى وَهَارُونُ. فَتَقُولُ: آمَنْتُ بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فِرْعَوْنُ، فَقَالَ: انْظُرُوا أَعْظَمَ صَخْرَةٍ تَجِدُونَهَا، فَإِنْ مَضَتْ عَلَى قَوْلِهَا فَأَلْقُوهَا عَلَيْهَا، وَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ قَوْلِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ فَلَمَّا أَتَوْهَا رَفَعَتْ بَصَرَهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَأَبْصَرَتْ بَيْتَهَا فِي السَّمَاءِ، فَمَضَتْ عَلَى قَوْلِهَا، فَانْتَزَعَ اللَّهُ رُوحَهَا، وَأُلْقِيَتِ الصَّخْرَةُ عَلَى جَسَدٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} وَكَانَ أَعْتَى أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى اللَّهِ، وَأَبْعَدَهُ مِنَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ مَا ضَرَّ امْرَأَتَهُ كُفْرُ زَوْجِهَا حِينَ أَطَاعَتْ رَبَّهَا، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ حَكَمٌ عَدْلٌ، لَا يُؤَاخِذُ عَبْدَهُ إِلَّا بِذَنْبِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} وَتَقُولُ: وَأَنْقِذْنِي مِنْ عَذَابِ فِرْعَوْنَ، وَمِنْ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَذَلِكَ كُفْرُهُ بِاللَّهِ. وَقَوْلُهُ: {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} تَقُولُ: وَأَخْلِصْنِي وَأَنْقِذْنِي مِنْ عَمَلِ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ بِكَ، وَمِنْ عَذَابِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا} {مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} يَقُولُ: الَّتِي مَنَعَتْ جَيْبَ دِرْعِهَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِي الدِّرْعِ مِنْ خَرْقٍ أَوْ فَتْقٍ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى فَرْجًا، وَكَذَلِكَ كَلُّ صَدْعٍ وَشَقٍّ فِي حَائِطٍ، أَوْ فَرْجِ سَقْفٍ فَهُوَ فَرْجٌ. وَقَوْلُهُ: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} يَقُولُ: فَنَفَخْنَا فِيهِ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَذَلِكَ فَرْجُهَا، مِنْ رُوحِنَا مِنْ جِبْرِيلَ، وَهُوَ الرُّوحُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} فَنَفَخْنَا فِي جَيْبِهَا مِنْ رُوحِنَا {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} يَقُولُ: آمَنَتْ بِعِيسَى، وَهُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ (وَكُتُبِهِ) يَعْنِي التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} يَقُولُ: وَكَانَتْ مِنَ الْقَوْمِ الْمُطِيعِينَ. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ (مِنَ الْقَانِتِينَ) مِنَ الْمُطِيعِينَ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّحْرِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}. يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (تَبَارَكَ): تَعَاظَمَ وَتَعَالَى {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} بِيَدِهِ مُلْكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَسُلْطَانُهُمَا، نَافِذٌ فِيهِمَا أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يَقُولُ: وَهُوَ عَلَى مَا يَشَاءُ فِعْلَهُ ذُو قُدْرَةٍ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ فِعْلِهِ مَانِعٌ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَجْزٌ. وَقَوْلُهُ: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} فَأَمَاتَ مَنْ شَاءَ وَمَا شَاءَ، وَأَحْيَا مَنْ أَرَادَ وَمَا أَرَادَ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} يَقُولُ: لِيَخْتَبِرَكُمْ فَيَنْظُرَ أَيُّكُمْ لَهُ أَيُّهَا النَّاسُ أَطْوَعُ، وَإِلَى طَلَبِ رِضَاهُ أَسْرَعُ. وَقَدْ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} قَالَ: أَذَلَّ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ بِالْمَوْتِ، وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ حَيَاةٍ وَدَارَ فَنَاءٍ، وَجَعَلَ الْآخِرَةَ دَارَ جَزَاءٍ وَبَقَاءٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، «عَنْ قَتَادَةَ {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ} ذُكِرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ أَذَلَّ ابْنَ آدَمَ بِالْمَوْتِ"». وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الْعَزِيزُ) يَقُولُ: وَهُوَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ انْتِقَامُهُ مِمَّنْ عَصَاهُ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ (الْغَفُورُ) ذُنُوبَ مَنْ أَنَابَ إِلَيْهِ وَتَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مُخْبِرًا عَنْ صِفَتِهِ: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} طَبَقًا فَوْقَ طَبَقٍ، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ الَّذِي خَلَقَ لَا فِي سَمَاءٍ وَلَا فِي أَرْضٍ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاوُتٍ، يَعْنِي مِنَ اخْتِلَافٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ}: مَا تَرَى فِيهِمْ مِنَ اخْتِلَافٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (مِنْ تَفَاوُتٍ) قَالَ: مِنَ اخْتِلَافٍ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ: (مِنْ تَفَاوُتٍ) بِأَلِفٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (مِنْ تَفَوُّتٍ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا قِيلَ: وَلَا تُصَاعِرْ، وَلَا تُصَعِّرُ؛ وَتَعَهَّدْتُ فُلَانًا، وَتَعَاهَدْتُهُ؛ وَتَظَهَّرْتُ، وَتَظَاهَرْتُ؛ وَكَذَلِكَ التَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ. وَقَوْلُهُ: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}. يَقُولُ: فَرُدَّ الْبَصَرَ، هَلْ تَرَى فِيهِ مِنْ صُدُوعٍ؟ وَهِيَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} بِمَعْنَى يَتَشَقَّقْنَ وَيَتَصَدَّعْنَ، الْفُطُورُ مَصْدَرُ فَطَرَ فُطُورًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} قَالَ: الْفُطُورُ: الْوَهْيُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} يَقُولُ: هَلْ تَرَى مِنْ خَلَلٍ يَا ابْنَ آدَمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ (مِنْ فُطُورٍ) قَالَ: مِنْ خَلَلٍ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} قَالَ: مِنْ شُقُوقٍ. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ثُمَّ رُدَّ الْبَصَرَ يَا ابْنَ آدَمَ كَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَانْظُرْ {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} أَوْ تَفَاوُتٍ {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا} يَقُولُ: يَرْجِعُ إِلَيْكَ بَصَرُكَ صَاغِرًا مُبْعَدًا، مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْكَلْبِ: اخْسَأْ، إِذَا طَرَدُوهُ، أَيِ ابْعِدْ صَاغِرًا (وَهُوَ حَسِيرٌ) يَقُولُ: وَهُوَ مُعْيٍ كَالٌّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} يَقُولُ: هَلْ تَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ خَلَلٍ؟ {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} بِسَوَادِ اللَّيْلِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} يَقُولُ: ذَلِيلًا، وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ حَسِيرٌ) يَقُولُ: مُرْجَفٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا} أَيْ حَاسِرًا (وَهُوَ حَسِيرٌ) أَيْ مُعْيٍ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (خَاسِئًا) قَالَ: صَاغِرًا، (وَهُوَ حَسِيرٌ) يَقُولُ: مُعْيٍ لَمْ يَرَ خَلَلًا وَلَا تَفَاوُتًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْخَاسِئُ وَالْحَسِيرُ وَاحِدٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}... الْآيَةُ، قَالَ: الْخَاسِئُ، وَالْخَاسِرُ وَاحِدٌ؛ حَسَرَ طَرْفُهُ أَنْ يَرَى فِيهَا فَطْرًا فَرَجَعَ وَهُوَ حَسِيرٌ قَبْلَ أَنْ يَرَى فِيهَا فَطْرًا؛ قَالَ: فَإِذَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْفَطَرَتْ ثُمَّ انْشَقَّتْ، ثُمَّ جَاءَ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ انْكَشَطَتْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} وَهِيَ النُّجُومُ، وَجَعَلَهَا مَصَابِيحَ لِإِضَاءَتِهَا، وَكَذَلِكَ الصُّبْحُ إِنَّمَا قِيلَ لَهُ صُبْحٌ لِلضَّوْءِ الَّذِي يُضِيءُ لِلنَّاسِ مِنَ النَّهَارِ {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} يَقُولُ: وَجَعَلَنَا الْمَصَابِيحَ الَّتِي زَيَّنَّا بِهَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ تُرْجَمُ بِهَا. وَقَدْ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثِ خِصَالٍ: خَلَقَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا؛ فَمَنْ يَتَأَوَّلْ مِنْهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ بِرَأْيِهِ، وَأَخْطَأَ حَظَّهُ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَعْتَدْنَا لِلشَّيَاطِينِ فِي الْآخِرَةِ عَذَابَ السَّعِيرِ، تُسَعَّرُ عَلَيْهِمْ فَتُسْجَرُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} الَّذِي خَلَقَهُمْ فِي الدُّنْيَا (عَذَابَ جَهَنَّمَ) فِي الْآخِرَةِ (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) يَقُولُ: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ عَذَابُ جَهَنَّمَ. وَقَوْلُهُ: (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا) يَعْنِي إِذَا أُلْقِيَ الْكَافِرُونَ فِي جَهَنَّمَ (سَمِعُوا لَهَا) يَعْنِي لِجَهَنَّمَ (شَهِيقًا) يَعْنِي بِالشَّهِيقِ: الصَّوْتُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْجَوْفِ بِشِدَّةٍ كَصَوْتِ الْحِمَارِ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ فِي صِفَةِ حِمَارٍ: حَشْرجَ فِي الْجَوْفِ سَحِيلًا أَوْ شَهَقْ *** حَتَّى يُقَالُ نَاهِقٌ وَمَا نَهَقْ وَقَوْلُهُ: (وَهِيَ تَفُورُ) يَقُولُ: تَغْلِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ {سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ} يَقُولُ: تَغْلِي كَمَا يَغْلِي الْقِدْرُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (تَكَادُ) جَهَنَّمُ (تَمَيَّزُ) يَقُولُ: تَتَفَرَّقُ وَتَتَقَطَّعُ (مِنَ الْغَيْظِ) عَلَى أَهْلِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} يَقُولُ: تَتَفَرَّقُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} تَكَادُ يُفَارِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَنْفَطِرُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} يَقُولُ: تَفَرَّقُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} قَالَ: التَّمَيُّزُ: التَّفَرُّقُ مِنَ الْغَيْظِ عَلَى أَهْلِ مَعَاصِي اللَّهِ غَضَبًا لِلَّهِ، وَانْتِقَامًا لَهُ. وَقَوْلُهُ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كُلَّمَا أُلْقِي فِي جَهَنَّمَ جَمَاعَةٌ {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} يَقُولُ: سَأَلَ الْفَوْجَ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ، فَقَالُوا لَهُمْ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ فِي الدُّنْيَا نَذِيرٌ يُنْذِرُكُمْ هَذَا الْعَذَابَ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ؟ فَأَجَابَهُمُ الْمَسَاكِينُ {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} يُنْذِرُنَا هَذَا، فَكَذَّبْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ {مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} يَقُولُ: فِي ذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ بِعِيدٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الْفَوْجُ الَّذِي أُلْقِيَ فِي النَّارِ لِلْخَزَنَةِ: (لَوْ كُنَّا) فِي الدُّنْيَا (نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ) مِنَ النُّذُرِ مَا جَاءُونَا بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ، أَوْ نَعْقِلُ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَنَا إِلَيْهِ (مَا كُنَّا) الْيَوْمَ {فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} يَعْنِي: أَهْلُ النَّارِ. وَقَوْلُهُ: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} يَقُولُ: فَأَقَرُّوا بِذَنْبِهِمْ، وَوَحَّدَ الذَّنْبَ، وَقَدْ أُضِيفَ إِلَى الْجَمْعِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى فَعَلَ، فَأَدَّى الْوَاحِدُ عَنِ الْجَمْعِ، كَمَا يُقَالُ: خَرَجَ عَطَاءُ النَّاسِ، وَأُعْطِيَّةُ النَّاسِ {فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} يَقُولُ: فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} يَقُولُ: بُعْدًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} قَالَ: قَالَ سُحْقًا وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَالْقُرَّاءُ عَلَى تَخْفِيفِ الْحَاءِ مِنَ السُّحْقِ، وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الْفَصِيحَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ذَلِكَ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُحَرِّكُهَا بِالضَّمِّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، يَقُولُ: وَهُمْ لَمْ يرَوُهُ {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} يَقُولُ: لَهُمْ عَفْوٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ ذُنُوبِهِمْ {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} يَقُولُ: وَثَوَابٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَلَى خَشْيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْغَيْبِ جَزِيلٌ. وَقَوْلُهُ: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَخْفُوا قَوْلَكُمْ وَكَلَامَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَوْ أَعْلِنُوهُ وَأَظْهِرُوهُ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} يَقُولُ: إِنَّهُ ذُو عِلْمٍ بِضَمَائِرِ الصُّدُورِ الَّتِي لَمْ يُتَكَلَّمُ بِهَا، فَكَيْفَ بِمَا نُطِقَ بِهِ وَتُكُلِّمَ بِهِ، أُخْفِيَ ذَلِكَ أَوْ أُعْلِنَ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ ضَمَائِرُ الصُّدُورِ فَغَيْرُهَا أَحْرَى أَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (أَلَا يَعْلَمُ) الرَّبُّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (مَنْ خَلَقَ) مِنْ خَلْقِهِ؟ يَقُولُ: كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ خَلْقُهُ الَّذِي خَلَقَ (وَهُوَ اللَّطِيفُ) بِعِبَادِهِ (الْخَبِيرُ) بِهِمْ وَبِأَعْمَالِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا سَهْلًا سَهَّلَهَا لَكُمْ {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى (مَنَاكِبِهَا) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنَاكِبُهَا: جِبَالُهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فِي مَنَاكِبِهَا} يَقُولُ: جِبَالُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} فَقَالَ لِجَارِيَةٍ لَهُ: إِنْ دَرَيْتِ مَا مَنَاكِبُهَا، فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ؛ قَالَتْ: فَإِنَّ مَنَاكِبَهَا: جِبَالُهَا، فَكَأَنَّمَا سُفِعَ فِي وَجْهِهِ، وَرَغِبَ فِي جَارِيَتِهِ، فَسَأَلَ، مِنْهُمْ مَنْ أَمَرَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَاهُ، فَسَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: الْخَيْرُ فِي طُمَأْنِينَةٍ، وَالشَّرُّ فِي رِيبَةٍ، فَذَرْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ، بِمَثَلِهِ سَوَاءً. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}: جِبَالُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (فِي مَنَاكِبِهَا) قَالَ: فِي جِبَالِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: (مَنَاكِبِهَا): أَطْرَافُهَا وَنَوَاحِيهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} يَقُولُ: امْشُوا فِي أَطْرَافِهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ بَشِيرَ بْنَ كَعْبٍ الْعَدُوَّيَّ، قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} فَقَالَ لِجَارِيَتِهِ: إِنْ أَخْبَرْتِنِي مَا مَنَاكِبُهَا، فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَقَالَتْ: نَوَاحِيهَا؛ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَسَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: إِنَّ الْخَيْرَ فِي طُمَأْنِينَةٍ، وَإِنَّ الشَّرَّ فِي رِيبَةٍ، فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} قَالَ: طُرُقُهَا وَفِجَاجُهَا. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَامْشُوا فِي نَوَاحِيهَا وَجَوَانِبِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ نَوَاحِيَهَا نَظِيرَ مَنَاكِبِ الْإِنْسَانِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَطْرَافِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} يَقُولُ: وَكُلُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ لَكُمْ مِنْ مَنَاكِبِ الْأَرْضِ، {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِلَى اللَّهِ نَشْرُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} يَقُولُ: فَإِذَا الْأَرْضُ تَذْهَبُ بِكُمْ وَتَجِيءُ وَتَضْطَرِبُ {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وَهُوَ اللَّهُ {أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} وَهُوَ التُّرَابُ فِيهِ الْحَصْبَاءُ الصِّغَارُ {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} يَقُولُ: فَسَتَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْكَفَرَةُ كَيْفَ عَاقِبَةُ نَذِيرِي لَكُمْ، إِذْ كَذَّبْتُمْ بِهِ، وَرَدَدْتُمُوهُ عَلَى رَسُولِي.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِ شَيْءٍ بَصِيرٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ رُسُلَهُمْ. {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} يَقُولُ: فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِي تَكْذِيبَهُمْ إِيَّاهُمْ {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} يَقُولُ: أَوْ لَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ أَجْنِحَتَهُنَّ (وَيَقْبِضْنَ) يَقُولُ: وَيَقْبِضْنَ أَجْنِحَتَهُنَّ أَحْيَانًا. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَصُفُّ أَجْنِحَتَهَا أَحْيَانًا، وَتَقْبِضُ أَحْيَانًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (صَافَّاتٍ) قَالَ: الطَّيْرُ يَصُفُّ جَنَاحَهُ كَمَا رَأَيْتَ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} بَسْطُهُنَّ أَجْنِحَتَهُنَّ وَقَبْضُهُنَّ. وَقَوْلُهُ: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} يَقُولُ: مَا يُمْسِكُ الطَّيْرَ الصَّافَّاتِ فَوْقَكُمْ إِلَّا الرَّحْمَنُ. يَقُولُ: فَلَهُمْ بِذَلِكَ مُذَكِّرٌ إِنْ ذَكَرُوا، وَمُعْتَبَرٌ إِنِ اعْتَبَرُوا، يَعْلَمُونَ بِهِ أَنَّ رَبَّهُمْ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ {إِنَّهُ بِكُلِ شَيْءٍ بَصِيرٌ} يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ ذُو بَصَرٍ وَخِبْرَةٍ، لَا يَدْخُلُ تَدْبِيرَهُ خَلَلٌ، وَلَا يُرَى فِي خَلْقِهِ تَفَاوُتٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ: مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ بِهِ، يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا، فَيَدْفَعُ عَنْكُمْ مَا أَرَادَ بِكُمْ مِنْ ذَلِكَ {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ إِلَّا فِي غُرُورٍ مِنْ ظَنِّهِمْ أَنَّ آلِهَتَهُمْ تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَأَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يُطْعِمُكُمْ وَيَسْقِيكُمْ، وَيَأْتِي بِأَقْوَاتِكُمْ إِنْ أَمْسَكَ بِكُمْ رِزْقَهُ الَّذِي يَرْزُقُهُ عَنْكُمْ. وَقَوْلُهُ: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} يَقُولُ: بَلْ تَمَادَوْا فِي طُغْيَانٍ وَنُفُورٍ عَنِ الْحَقِّ وَاسْتِكْبَارٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} يَقُولُ: فِي ضَلَالٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} قَالَ: كَفُورٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (أَفَمَنْ يَمْشِي) أَيُّهَا النَّاسُ {مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} لَا يُبْصِرُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ (أَهْدَى): أَشَدُّ اسْتِقَامَةً عَلَى الطَّرِيقِ، وَأَهْدَى لَهُ، {أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا} مَشْيُ بَنِي آدَمَ عَلَى قَدَمَيْهِ {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يَقُولُ: عَلَى طَرِيقٍ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ؛ وَقِيلَ (مُكِبًّا) لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا أَدْخَلُوا فِيهِ الْأَلِفَ، فَقَالُوا: أَكَبَّ فُلَانٌ عَلَى وَجْهِهِ، فَهُوَ مُكِبٌّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى: مُكِبًّا عَلَى رَوْقَيْهِ يَحْفِرُ عِرْقَهَا *** عَلَى ظَهْرِ عُرْيَانِ الطَّرِيقَةِ أَهْيَمَا فَقَالَ: مُكِبًّا، لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ وَاقِعٍ، فَإِذَا كَانَ وَاقِعًا حُذِفَتْ مِنْهُ الْأَلِفُ، فَقِيلَ: كَبَبْتُ فُلَانًا عَلَى وَجْهِهِ، وَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يَقُولُ: مَنْ يَمْشِي فِي الضَّلَالَةِ أَهْدَى، أَمْ مَنْ يَمْشِي مُهْتَدِيًا؟. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} قَالَ: فِي الضَّلَالَةِ {أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قَالَ: حَقٌّ مُسْتَقِيمٌ. حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} يَعْنِي: الْكَافِرُ أَهْدَى {أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا} الْمُؤْمِنُ؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لَهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ يَحْشُرُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ {أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا} يَوْمئِذٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، «عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى} "هُوَ الْكَافِرُ أَكَبَّ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَشَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ، فَقِيلَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قَالَ: "إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ أَنْ يَحْشُرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجْهِه» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} قَالَ: هُوَ الْكَافِرُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَيَحْشُرُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ مَعْمَرٌ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: "إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ"» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قَالَ: الْمُؤْمِنُ عَمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَيَحْشُرُهُ اللَّهُ عَلَى طَاعَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينِ يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: اللَّهُ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ فَخَلَقَكُمْ، {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} تَسْمَعُونَ بِهِ (وَالْأَبْصَارَ) تُبْصِرُونَ بِهَا (وَالْأَفْئِدَةَ) تَعْقِلُونَ بِهَا (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) يَقُولُ: قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ رَبَّكُمْ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ، اللَّهُ {الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} يَقُولُ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ فِي الْأَرْضِ {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} يَقُولُ: وَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ، فَتُجْمَعُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَابِ {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَقُولُ الْمُشْرِكُونَ: مَتَى يَكُونُ مَا تَعِدُنَا مِنَ الْحَشْرِ إِلَى اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي وَعْدِكُمْ إِيَّانَا مَا تَعِدُونَنَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلِيكَ بِالْعَذَابِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ: إِنَّمَا عِلْمُ السَّاعَةِ، وَمَتَى تَقُومُ الْقِيَامَةُ عِنْدَ اللَّهِ، لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْرُهُ {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} يَقُولُ: وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ أُنْذِرُكُمْ عَذَابَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ (مُبِينٌ): قَدْ أَبَانَ لَكُمْ إِنْذَارَهُ. وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا رَأَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَذَابَ اللَّهِ زُلْفَةً، يَقُولُ: قَرِيبًا، وَعَايَنُوهُ، {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يَقُولُ: سَاءَ اللَّهُ بِذَلِكَ وُجُوهَ الْكَافِرِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: (زُلْفَةً) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ} قَالَ: لَمَّا عَايَنُوهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنْ قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} قَالَ: مُعَايَنَةً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} قَالَ: قَدِ اقْتَرَبَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} لَمَّا عَايَنَتْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} قَالَ: لَمَّا رَأَوْا عَذَابَ اللَّهِ زُلْفَةً، يَقُولُ: سِيئَتْ وُجُوهُهُمْ حِينَ عَايَنُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَخِزْيِهِ مَا عَايَنُوا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ} قِيلَ: الزُّلْفَةُ حَاضِرٌ، قَدْ حَضَرَهُمْ عَذَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. : {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} يَقُولُ: وَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُذَكِّرُونَ رَبَّكُمْ أَنْ يُعَجِّلَهُ لَكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} قَالَ: اسْتِعْجَالُهُمْ بِالْعَذَابِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ بِمَعْنَى تَفْتَعِلُونَ مِنَ الدُّعَاءِ. وَذُكِرَ عَنْ قَتَادَةَ وَالضِّحَاكِ أَنَّهُمَا قَرَأَا ذَلِكَ (تَدْعُونَ) بِمَعْنَى تَفْعَلُونَ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَرَأَهَا (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدْعُونَ) خَفِيفَةً؛ وَيَقُولُ: كَانُوا يَدْعُونَ بِالْعَذَابِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ، مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ) يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، (أَرَأَيْتُمْ) أَيُّهَا النَّاسُ {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ} فَأَمَاتَنِي {وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا} فَأَخَّرَ فِي آجَالِنَا {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ} بِاللَّهِ (مِنْ عَذَابٍ) مُوجِعٍ مُؤْلِمٍ، وَذَلِكَ عَذَابُ النَّارِ. يَقُولُ: لَيْسَ يُنْجِي الْكُفَّارَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَوْتُنَا وَحَيَاتُنَا، فَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ تَسْتَعْجِلُوا قِيَامَ السَّاعَةِ، وَنُزُولَ الْعَذَابِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نَافِعِكُمْ، بَلْ ذَلِكَ بَلَاءٌ عَلَيْكُمْ عَظِيمٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: رَبُّنَا {الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ} يَقُولُ: صَدَّقْنَا بِهِ {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} يَقُولُ: وَعَلَيْهِ اعْتَمَدْنَا فِي أُمُورِنَا، وَبِهِ وَثِقْنَا فِيهَا {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} يَقُولُ: فَسَتَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الَّذِي هُوَ فِي ذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ، وَالَّذِي هُوَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ إِذَا صِرْنَا إِلَيْهِ، وَحَشَرَنَا جَمِيعًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ) يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: (أَرَأَيْتُمْ) أَيُّهَا الْقَوْمُ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} يَقُولُ: غَائِرًا لَا تَنَالُهُ الدِّلَاءُ {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} يَقُولُ: فَمَنْ يَجِيئُكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ، يَعْنِي بِالْمَعِينِ: الَّذِي تَرَاهُ الْعُيُونُ ظَاهِرًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} يَقُولُ: بِمَاءٍ عَذْبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنِي عُبَيْدُ بْنُ قَاسِمٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} لَا تَنَالُهُ الدِّلَاءُ {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} قَالَ: الظَّاهِرُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا}: أَيْ ذَاهِبًا {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} قَالَ: الْمَاءُ الْمَعِينُ: الْجَارِي. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {مَاؤُكُمْ غَوْرًا} ذَاهِبًا {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} جَارٍ. وَقِيلَ غَوْرًا، فَوَصَفَ الْمَاءَ بِالْمَصْدَرِ، كَمَا يُقَالُ: لَيْلَةٌ عَمٌّ، يُرَادُ: لَيْلَةٌ عَامَّةٌ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُلْكِ
|